الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
فيه ستة أبواب منها التكليف والحرية والإسلام فلا تقبل شهادة صبي ولا مجنون ولا من فيه رق ولا كافر ما سواء شهد على مسلم أو كافر الشرط الرابع العدالة فالمعاصي صغائر وكبائر وقال الأستاذ أبو إسحاق ليس فيها صغيرة والصحيح الأول وفي حد الكبيرة أوجه أحدها أنها المعصية الموجبة لحد والثاني أنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة وهذا أكثر ما يوجد لهم وهم إلى ترجيح الأول أميل لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر والثالث ما قاله الإمام والرابع قال أبو سعد الهروي الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد من قتل أو غيره وترك فريضة تجب على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين هذا ما ذكروه على سبيل الضبط وفصله جماعة فعدوا من الكبائر القتل والزنى واللواط وشرب قليل الخمر والسرقة والقذف وشهادة الزور وغصب المال وشرط الهروي في المغصوب كونه نصاباً والفرار من الزحف وأكل الربا ومال اليتيم وعقوق الوالدين والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمداً وكتمان الشهادة بلا عذر وأضاف إليها صاحب العدة الإفطار في رمضان بلا عذر واليمين الفاجرة وقطع الرحم والخيانة في كيل أو وزن وتقديم الصلاة على وقتها أو تأخيرها عنه بلا عذر وضرب مسلم بلا حق وسب الصحابة رضي الله عنهم وأخذ الرشوة والدياثة والقيادة من الرجل والمرأة والسعاية عند السلطان ومنع الزكاة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ونسيان القرآن وإحراق الحيوان وامتناعها من زوجها بلا سبب واليأس من رحمة الله والأمن من مكر الله تعالى ويقال الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن ومما عد من الكبائر الظهار وأكل لحم الخنزير والميتة بلا عذر وللتوقف مجال في بعض هذه الخصال كقطع الرحم وترك الأمر بالمعروف على إطلاقهما ونسيان القرآن وإحراق مطلق الحيوان وقد أشار الغزالي في الإحياء إلى مثل هذا التوقف وفي التهذيب وجه أن ترك صلاة واحدة ليس كبيرة ولا ترد به شهادة حتى قلت قد روى أبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أقرئها رجل ثم نسيها " لكن في إسناده ضعف وتكلم فيه الترمذي ومن الكبائر السحر ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله من السبع الموبقات ونقل المحاملي في كتاب الحيض من مجموعة أن الشافعي رحمه الله تعالى قال الوطء في الحيض كبيرة وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النميمة كبيرة والله أعلم. قال صاحب العدة ومن الصغائر النظر إلى ما لا يجوز والغيبة والكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر والإشراف على بيوت الناس وهجرة المسلم فوق ثلاث وكثرة الخصومات وإن كان محقاً والسكوت على الغيبة والنياحة والصياح وشق الجيب في المصيبة والتبختر في المشي والجلوس مع الفساق إيناساً لهم والصلاة المنهي عنها في أوقات النهي والبيع والشراء في المسجد وإدخال الصبيان والمجانين والنجاسات إليه وإمامة قوم يكرهونه لعيب فيه والعبث في الصلاة والضحك فيها وتخطي رقاب الناس يوم الجمعة والكلام والإمام يخطب والتغوط مستقبل القبلة وفي طريق المسلمين وكشف العورة في الحمام ولك أن تقول وكثرة خصومات المحق ينبغي أن لا تكون معصية إذا راعى حد الشرع وتخطي الرقاب فإنه معدود من المكروهات لا محرم وكذا الكلام والإمام قلت المختار أن تخطي الرقاب حرام للأحاديث فيه والصواب في الخصومات ما قاله الرافعي وأن البيع والشراء في المسجد وإدخاله الصبيان إذا لم يغلب تنجيسهم إياه والعبث في الصلاة من المكروهات مشهور في كتب الأصحاب وفي كون الصلاة في وقت النهي مكروهة أو محرمة خلاف سبق ومن الصغائر القبلة للصائم الذي يحرك الشهوة والوصال في الصوم على الأصح والاستمناء وكذا مباشرة الأجنبية بغير جماع ووطء الزوجة المظاهر منها قبل التكفير والرجعية والخلوة بالأجنبية ومسافرة المرأة بغير زوج ولا محرم ولا نسوة ثقات والنجش والاحتكار والبيع على بيع أخيه وكذا السوم والخطبة وبيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان والتصرية وبيع المعيب من غير بيانه واتخاذ الكلب الذي لا يحل اقتناؤه وإمساك الخمر غير المحترمة وبيع العبد المسلم لكافر وكذا المصحف وسائر كتب العلم واستعمال النجاسة في البدن بغير حاجة وكشف العورة في الخلوة لغير حاجة على الأصح وأشباه هذه والله أعلم. إذا تقرر هذا فقال الأصحاب يشترط في العدالة اجتناب الكبائر فمن ارتكب كبيرة واحدة فسق وردت شهادته وأما الصغائر فلا يشترط اجتنابها بالكلية لكن يشترط أن لا يصر عليها فإن أصر كان الإصرار كارتكاب كبيرة وهل الإصرار السالب للعدالة المداومة على نوع من الصغائر أم الإكثار من الصغائر سواء كان من نوع أو أنواع فيه وجهان ويوافق الثاني قول الجمهور أن من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا وعكسه فاسق ولفظ الشافعي رحمه الله في المختصر يوافقه فعلى هذا لا تضر المداومة على نوع من الصغائر إذا غلبت الطاعات وعلى الأول يضر. فرع اللعب بالشطرنج مكروه وقيل مباح لا كراهة فيه ومال الحليمي إلى تحريمه واختاره الروياني والصحيح الأول فإن اقترن به قمار أو فحش أو إخراج صلاة عن وقتها عمداً ردت شهادته بذلك المقارن وإنما يكون قماراً إذا شرط المال من الجانبين فإن أخرج أحدهما ليبذله إن غلب ويمسكه إن غلب فليس بقمار ولا ترد به شهادة لكنه عقد مسابقة على غير آلة قتال فلا يصح ولو لم تخرج الصلاة عن الوقت عمداً لكن شغله اللعب به حتى خرج وهو غافل فإن لم يتكرر ذلك منه لم ترد شهادته وإن كثر منه فسق وردت شهادته بخلاف ما إذا تركها ناسياً مراراً لأنه هنا شغل نفسه بما فاتت به الصلاة هكذا ذكروه وفيه إشكال لما فيه من تعصية الغافل اللاهي ثم قياسه الطرد في شغل النفس بغيره من المباحات وأشار الروياني إلى وجه أنه يفسق وإن لم يتكرر وفي المهذب اشتراط التكرر في إخراجها عن الوقت وإن كان عالماً وهو خلاف ما سبق أن إخراج الفريضة عن الوقت عمداً كبيرة وأما اللعب بالنرد ففي وجه مكروه والصحيح تحريمه فعلى هذا قال الشيخ أبو محمد هو صغيرة قال الإمام والصحيح أنه من الكبائر قال في الأم وأكره اللعب بالحزة والقرق فالحزة قطع خشب يحفر فيها حفر في ثلاثة أسطر يجعل فيها حصى صغار يلعب بها وقد تسمى الأربعة عشر والقرق أن يخط في الأرض خط مربع ويجعل في وسطه خطان كالصليب ويجعل على رؤوس الخطوط حصى صغار يلعب بها وهذه اللفظة رأيتها بخط الروياني بفتح القاف والراء وضبطها بعضهم بكسر القاف وإسكان الراء قال في الشامل اللعب بهما كالنرد وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه كالشطرنج. فرع إتخاذ الحمام للفرخ والبيض أو الأنس أو حمل الكتب جائز بلا كراهة وأما اللعب بها بالتطيير والمسابقة فقيل لا يكره والصحيح أنه مكروه ولا ترد الشهادة بمجرده فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت. فرع غناء الإنسان قد يقع بمجرد صوته وقد يقع بآلة أما القسم فمكروه وسماعه مكروه وليسا محرمين فإن كان سماعه من أجنبية فأشد كراهة وحكى القاضي أبو الطيب تحريمه وهذا هو الخلاف الذي سبق في أن صوتها هل هو عورة فإن كان في السماع منها خوف فتنة فحرام بلا خلاف وكذا السماع من صبي يخاف منه الفتنة وحكى أبو الفرج الزاز وجهاً أنه يحرم كثير السماع دون قليلة ووجه أنه يحرم مطلقاً والصحيح الأول وهو المعروف للأصحاب وأما الحداء وسماعه فمباحان وأما تحسين الصوت بقراءة القرآن فمسنون وأما القراءة بالألحان فقال في المختصر لا بأس بها وعن رواية الربيع بن سليمان الجيزي أنها مكروهة قال جمهور الأصحاب ليست على قولين بل المكروه أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى تتولد من الفتحة ألف ومن الضم واو ومن الكسرة ياء أو يدغم في غير موضع الإدغام فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة وفي أمالي السرخسي وجه أنه لا يكره وإن أفرط. قلت الصحيح أنه إذا أفرط على الوجه المذكور فهو حرام صرح به صاحب الحاوي فقال هو حرام يفسق به القارئ ويأثم المستمع لأنه عدل به عن لهجة التقويم وهذا مراد الشافعي بالكراهة ويسن ترتيل القراءة وتدبرها والبكاء عندها وطلب القراءة من حسن الصوت والجلوس في حلق القراءة ولا بأس بترديد الآية للتدبر ولا باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها وهو أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها وقد أوضحت هذا كله وما يتعلق به من النفائس في آداب حملة القرآن والله أعلم. القسم الثاني أن يغني ببعض آلات الغناء مما هو من شعار شاربي الخمر وهو مطرب كالطنبور والعود والصنج وسائر المعازف والأوتار يحرم استعماله واستماعه وفي اليراع وجهان صحح البغوي التحريم والغزالي الجواز وهو الأقرب وليس المراد من اليراع كل قصب بل المزمار العراقي وما يضرب به الأوتار حرام بلا خلاف. قلت الأصح أو الصحيح تحريم اليراع وهو هذه الزمارة التي يقال لها الشبابة وقد صنف الإمام أبو القاسم الدولعي كتاباً في تحريم اليراع مشتملا على نفائس وأطنب في دلائل تحريمه والله أعلم. أما الدف فضربه مباح في العرس والختان وأما في غيرهما فأطلق صاحب المهذب والبغوي وغيرهما تحريمه وقال الإمام والغزالي حلال وحيث أبحناه هو فيما إذا لم يكن فيه جلاجل فإن كان فالأصح حله أيضاً ولا يحرم ضرب الطبول إلا الكوبة وهو طبل طويل متسع الطرفين ضيق الوسط وهو الذي يعتاد ضربه المخنثون والطبول التي تهيأ لملاعب الصبيان إن لم تلحق بالطبول الكبار فهي كالدف وليست كالكوبة بحال والضرب بالصفاقتين حرام كذا ذكره الشيخ أبو محمد وغيره لأنه من عادة المخنثين وتوقف فيه الإمام لأنه لم يرد فيه خبر بخلاف الكوبة وفي تحريم الضرب بالقضيب على الوسائد وجهان قطع العراقيون بأن مكروه لا حرام والرقص ليس بحرام قال الحليمي لكن الرقص الذي فيه تثن وتكسر يشبه أفعال المخنثين حرام على الرجال فرع جواز إنشاء الشعر وإنشاده واستماعه إنشاء الشعر وإنشاده واستماعه جائز فلو هجا الشاعر في شعره ولو بما هو صادق فيه ردت شهادته وليس إثم حاكي الهجو كإثم منشئه ويشبه أن يكون التعريض هجواً كالتصريح وقال ابن كج ليس التعريض هجواً وترد شهادة الشاعر إذا كان يفحش ويشب بامرأة بعينها أو يصف أعضاء باطنة فإن شبب بجاريته أو زوجته فوجهان أحدهما يجوز ولا ترد شهادته وهذا القائل يقول إذا لم تكن المرأة معينة لا ترد شهادته لاحتمال أنه يريد من تحل له والصحيح أن ترد شهادته إذا ذكر جاريته أو زوجته بما حقه الإخفاء لسقوط مروءته ولو كان يشبب بغلام ويذكر أنه يعشقه قال الروياني يفسق وإن لم يعينه لأن النظر إلى الذكور بالشهوة حرام بكل حال وفي التهذيب وغيره اعتبار التعيين في الغلام كالمرأة وإن كان يمدح الناس ويطري نظر إن أمكن حمله على ضرب مبالغة جاز وإن لم يكن حمله على المبالغة وكان كذباً محضاً فالصحيح الذي عليه الجمهور وهو ظاهر نصه أنه كسائر أنواع الكذب فترد شهادته إن كثر منه وقال القفال والصيدلاني لا يلحق بالكذب لأن الكاذب يوهم الكذب صدقاً بخلاف الشاعر فعلى هذا لا فرق بين قليله وكثيره وهذا حسن بالغ وينبغي أن يقال على قياسه إن التشبيب بالنساء والغلمان بغير تعيين لا يخل بالعدالة وإن كثر منه لأن التشبيب صنعة وغرض الشاعر تحسين الكلام لا تحقيق المذكور وكذلك ينبغي أن يكون الحكم لو سمى امرأة لا يدري من هي. فرع ما حكمنا بإباحته في هذه الصورة قد يقتضي الإكثار منه رد الشهادة لكونه خارماً للمروءة فمن داوم على اللعب بالشطرنج والحمام ردت شهادته وإن لم يقترن به ما يوجب التحريم لما فيه من ترك المروءة وكذا من داوم على الغناء أو سماعه وكان يأتي الناس ويأتونه أو اتخذ جارية أو غلاماً ليتغنيا للناس وكذا المداومة على الرقص وضرب الدف وكذا إنشاد الشعر واستنشاده إذا أكثر منه فترك به مهماته كان خارماً للمروءة ذكره الإمام قال وكذا لو كان الشاعر يكتسب بشعره والمرجع في المداومة والإكثار إلى العادة ويختلف الأمر فيه بعادات النواحي والبلاد ويستقبح من شخص قدر لا يستقبح من غيره وللأمكنة فيه أيضاً تأثير فاللعب بالشطرنج في الخلوة مراراً لا يكون كاللعب به في سوق مرة على ملأ من الناس وهل يقال على هذا لما استمرت العادة أن الشاعر يكتسب بشعره وعد صنعة الغناء حرفة ومكسباً فالاشتغال به ممن يليق بحاله لا يكون تركاً للمروءة وكلام الأصحاب محمول على ما لا يليق به وقد رأيت ما ذكرته فرع ما حكمنا بتحريمه في هذه المسائل كالنرد وسماع الأوتار ولبس الحرير والجلوس عليه ونحوها هل هو من الكبائر فترد الشهادة بمرة أم من الصغائر فيعتبر المداومة والإكثار وجهان يميل كلام الإمام إلى أولهما والأصح الثاني وهو المذكور في التهذيب وغيره وزاد الإمام فقال ينظر إلى عادة البلد والقطر فحيث يستعظمون النرد وسماع الأوتار ترد الشهادة بمرة واحدة لأن الإقدام في مثل تلك الناحية لا يكون إلا من جسور منحل عن ربقة المروءة فتسقط الثقة بقوله وحيث لا يستعظمونه لا يكون مطلق الإقدام مشعراً بترك المبالاة وسقوط المروءة وحينئذ يقع النظر في أنه صغيرة أم كبيرة. فرع الخمر العينية لم يشبها ماء ولا طبخت بنار محرمة بالإجماع ومن شربها عامداً عالماً بحالها حد وردت شهادته سواء شرب قدراً يسكره أم لا قال أصحابنا العراقيون وكذا حكم بائعها ومشتريها في رد شهادتهما ولا ترد الشهادة بإمساكها لأنه قد يجوز أن يقصد به التخلل أو التخليل وأما المطبوخ من عصير العنب المختلف في تحريمه وسائر الأنبذة فإن شرب منها القدر المسكر حد وردت شهادته وإن شرب قليلا وهو يعتقد إباحته كالحنفي ففيه أوجه الأصح المنصوص يحد ولا ترد شهادته والثاني ترد ويحد والثالث لا ترد ولا يحد واحتج الأصحاب للأصح بأن الحد إلى الإمام فاعتبر اعتقاده والشهادة تعتمد اعتقاد الشاهد ولهذا لو غصب جارية ووطئها معتقداً أنه يزني بها فبان أنها ملكه فسق وردت شهادته ولو وطئ جارية غيره يعتقدها جاريته لم ترد شهادته ولأن الحد للزجر والنبيذ يحتاج إلى زجر ورد الشهادة لسقوط الثقة بقوله ولا يوجد ذلك إذا لم يعتقد التحريم وأما إذا شربه من يعتقد تحريمه فالمذهب أنه يحد وترد شهادته وعن القفال أن من نكح بلا ولي ووطئ لا ترد شهادته إن اعتقد الحل وترد إن اعتقد التحريم وعلى هذا قياس سائر المجتهدات ولكن عن نص الشافعي رحمه الله أنه لا ترد شهادة مستحل نكاح المتعة والمفتي به والعامل به ونقل القاضي أبو الفياض مثله. قلت قال ابن الصباغ قال في الأم إذا أخذ من النثار في الفرح لا ترد شهادته لأن من الناس من يحل ذلك وأنا أكرهه قال في الأم ومن ثبت أنه يحضر الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ولا يستحل صاحب الطعام وتكرر ذلك منه ردت شهادته لأنه يأكل محرماً إذا كانت الدعوة دعوة رجل من الرعية وإن كانت دعوة سلطان أو من يتشبه بالسلطان فهذا طعام عام فلا تأثير به قال ابن الصباغ وإنما اشترط تكرر ذلك لأنه قد يكون له شبهة حتى يمنعه صاحب الطعام فإذا الشرط الخامس المروءة وهي التوقي عن الأدناس فلا تقبل شهادة من لا مروءة له فمن ترك المروءة لبس ما لا يليق بأمثاله بأن لبس الفقيه القباء والقلنسوة ويتردد فيهما في بلد لم تجر عادة الفقهاء بلبسهما فيه أو لبس التاجر ثوب الجمال أو تعمم الجمال وتطلس وركب بغلة مثمنة وطاف في السوق واتخذ نفسه ضحكة ومنه المشي في السوق مكشوف الرأس والبدن إذا لم يكن الشخص سوقياً ممن يليق به مثله وكذا مد الرجل بين الناس والأكل في السوق والشرب من سقاياتها إلا أن يكون الشخص سوقياً أو شرب لغلبة عطش ومنه أن يقبل امرأته أو جاريته بحضرة الناس أو يحكي ما يجري بينهما في الخلوة أو يكثر من الحكايات المضحكة أو يخرج عن حسن العشرة مع الأهل والجيران والمعاملين ويضايق في اليسير الذي لا يستقصى فيه ومنه الإكثار على اللعب بالشطرنج والحمام والغناء على ما سبق ومنه أن يتبذل الرجل المعتبر نفسه بنقل الماء والأطعمة إلى بيته إذا كان ذلك عن شح فإن فعله استكانة واقتداء بالسلف التاركين للتكلف لم تقدح ذلك في المروءة وكذا لو كان يلبس ما يجد ويأكل حيث يجد لتقلله وبراءته من التكلف المعتاد وهذا يعرف بتناسب حال الشخص في الأعمال والأخلاق وظهور مخايل الصدق فيما يبديه وقد يؤثر فيه الزي واللبسة وفي قبول شهادة أهل الحرف الدنيئة كحجام وكناس ودباغ وقيم حمام وحارس ونخال وإسكاف وقصاب ونحوهم وجهان أصحهما القبول وفي الحائك الوجهان وقيل يقبل قطعاً وقيل يقبل من لا يحتاج إلى مباشرة نجاسة أو قذر كالحائك والنخال والحارس دون غيرهم وفي الصباغ والصائغ طريقان أحدهما طرد الوجهين والمذهب القبول قطعاً لكن من أكثر منهم ومن سائر المحترفة كذباً وخلفاً في الوعد ردت شهادته ولذلك قال الغزالي الوجهان في أصحاب الحرف هما فيمن يليق به وكان ذلك صنعة آبائه فأما غيره فتسقط مروءته بها وهذا حسن ومقتضاه أن يقال الإسكاف والقصاب إذا اشتغلا بالكنس بطلت مروءتهما بخلاف العكس. قلت لم يتعرض الجمهور لهذا القيد وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه بل ينظر هل يليق به هو أم لا والله أعلم. ثم الذين يباشرون النجاسة إنما يجري فيهم الخلاف إذا حافظوا على الصلوات في أوقاتها واتخذوا لها ثياباً طاهرة وإلا فترد شهادتهم بالفسق. فرع من ترك السنن الراتبة وتسبيحات الركوع والسجود أحياناً لا ترد شهادته ومن اعتاد تركها ردت شهادته لتهاونه بالدين هذا بقلة مبالاته بالمهمات وحكى أبو الفرج في غير الوتر وركعتي فرع نص أن مستحل الأنبذة إن أدام المنادمة عليها والحضور مع أهل السفه ردت شهادته لطرحه المروءة وتقبل شهادة الطوافين على الأبواب وسائر السؤال إلا أن يكثر الكذب في دعوى الحاجة وهو غير محتاج أو يأخذ ما لا يحل له أخذه فيفسق ومقتضى الوجه الذاهب إلى رد شهادة أصحاب الحرف رد شهادته لدلالته على خسته. الشرط السادس الانفكاك عن التهمة وللتهمة أسباب الأول أن يجر بشهادته إلى نفسه نفعاً أو يدفع بها ضراً فلا تقبل شهادة السيد لعبده المأذون له ولا لمكاتبه بدين ولا عين ولا شهادة الوارث لمورثه ولا الغريم للميت والمفلس المحجور عليه وتقبل شهادته لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل الحجر عليه على الأصح ولا تقبل شهادة الضامن للمضمون عنه بالأداء ولا الإبراء ولا الوكيل لموكله فيما هو وكيل فيه ولا الوصي والقيم في محل تصرفهما ولا الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه بأن يقول هذه الدار بيننا ويجوز أن يشهد بالنصف لشريكه ولا تقبل شهادته لشريكه ببيع الشقص ولا للمشتري من شريكه لأنها تتضمن إثبات الشفعة لنفسه فإن لم يكن فيه شفعة بأن كان مما لا ينقسم قال الشيخ أبو حامد تقبل وكذا لو عفا عن الشفعة ثم شهد ولو شهد أن زيدا جرح مورثه لم يقبل للتهمة ولو شهد بمال آخر لمورثه المجروح أو المريض إن يشهد بعد الاندمال قبلت قطعاً وكذا قبله على الأصح. فرع ذكر القاضي أبو سعد الهروي في شرح أدب القضاء لأبي عاصم العبادي رحمه الله أنه لا تقبل شهادة المودع للمودع إذا نازعه في الوديعة أجنبي لأنه يستديم اليد لنفسه ويقبل للأجنبي وكذا شهادة المرتهن لا يقبل للراهن ويقبل للأجنبي وإن شهادة الغاصب على المغصوب منه بالعين لأجنبي لا تقبل لفسقه ولتهمته بدفع الضمان ومؤنة لرد فإن شهد بعد الرد قبلت شهادته وإن شهد بعد التلف لم تقبل لأنه يدفع الضمان وإن شهادة المشتري شراء فاسداً بعد القبض لا تقبل للأجنبي لما ذكرنا وإن شهادة المشتري شراء صحيحاً بعد الإقالة والرد بالعيب لا تقبل للبائع لأنه يستبقي لنفسه الغلات وإن كان المدعي يدعي الملك من تاريخ متقدم على البيع ولو شهد بعد الفسخ بخيار الشرط أو المجلس فوجهان بناء على أنه يرفع العقد من أصله وترجع الفوائد إلى البائع أم حينه ولا يرجع وأنه لو كان لميت دين على شخص فشهد أجنبيان لرجل بأنه أخو الميت ثم شهد الغريمان لآخر بأنه ابنه لم تقبل شهادة الغريمين لأنهما ينقلان ما عليهما للأخ إلى الآخر بخلاف ما لو تقدمت شهادة الغريمين وأنه لا تقبل شهادة الوارثين على موت المورث ولا شهادة الموصى لهما على الموصى وتقبل شهادة الغريمين على موت من له الدين لأنهما لا ينتفعان بهذه الشهادة ولا ينظر إلى نقل الحق من شخص إلى شخص لأن الوارث خليفة المورث فكأنه هو ولو شهد شهود بقتل الخطأ فشهد اثنان من العاقلة بفسق شهود القتل لم تقبل شهادتهما لأنهما يدفعان ضرر التحمل ولو شهد اثنان على مفلس بدين فشهد غرماؤه الآخرون بفسقهما لم تقبل شهادتهم لأنهم يدفعون عنه ضرر المزاحمة ولو شهد اثنان لاثنين بوصية من تركة فشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية للشاهدين فوجهان أحدهما لا تقبل الأربعة لتهمة المواطأة بوصية للشاهدين فوجهان أحدهما لا تقبل الأربعة لتهمة المواطأة والصحيح قبول الشهادتين لانفصال كل شهادة عن الأخرى ولا يجر بشهادته نفعاً ولهذا قلنا تقبل شهادة بعض القافلة لبعض في قطع الطريق إذا قال كل واحد منهم أخذ مالي فلان ولم يقل أخذ مالنا. السبب الثاني البعضية فلا تقبل شهادة أصل ولا فرع وروى ابن القاص قولا قديماً أنها تقبل واختاره المزني وابن المنذر والمشهور الأول ولا تقبل لمكاتب ولده أو والده وما دونهما ولو شهد اثنان أن أباهما قذف ضرة أمهما أو طلقها أو خالعها ففي قبول شهادتهما قولان الجديد الأظهر القبول ولو ادعت الطلاق فشهد لها ابناها لم يقبل ولو شهدا حسبة ابتداء قبلت وكذا في الرضاع ولو شهد الأب مع ثلاثة على زوجة ابنه بالزنى فإن سبق من الابن قذف فطولب بالحد فحاول إقامة البينة لدفعه لم يقبل وإن لم يقذف أو لم يطالب بالحد وشهد الأب حسبة قبلت شهادته. فرع في يد زيد عبد ادعى شخص أنه اشتراه من عمرو بعدما اشتراه عمرو من زيد صاحب اليد وقبضه وطالبه بالتسليم فأنكر زيد جميع ذلك فشهد ابناه للمدعي بما يقوله فقولان حكاهما أبو سعد الهروي أحدهما لا يقبل لتضمنها إثبات الملك لأبيهما وأظهرهما القبول لأن المقصود بالشهادة في الحال المدعى وهو أجنبي. فرع قبول شهادة الوالد على الولد تقبل شهادة الوالد على الولد وعكسه سواء شهد بمال أو عقوبة وقيل لا تقبل شهادته على الوالد بقصاص أو حد قذف والصحيح الأول ومن شهد لولد أو والد وأجنبي قبلت للأجنبي في الأصح أو الأظهر. فرع في حبس الوالدين بدين الولد أوجه الأصح المنع قال الإمام وإليه صار معظم أئمتنا والثالث يحبس في نفقة ولده ولا يحبس في ديونه حكاه الإمام واختاره ابن القاص وقد سبق الوجهان في كتاب التفليس. فرع قبول شهادة أحد الزوجين للآخر تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر على الأظهر وقيل قطعاً وفي قول لا وفي قول شهادة الزوج لها دون عكسه وتقبل شهادة أحدهما على الآخر إلا أنه لا يقبل شهادته عليها بزنى لأنه دعوى خيانتها فراشه. السبب الثالث العداوة فلا تقبل شهادة عدو على عدوه والعداوة التي ترد بها الشهادة أن تبلغ حداً يتمنى زوال نعمته ويفرح لمصيبته ويحزن لمسرته وذلك قد يكون من الجانبين وقد يكون من أحدهما فيخص برد شهادته على الآخر وإن أفضت الشهادة إلى ارتكاب ما يفسق به ردت شهادته على الإطلاق ولو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه وسكت عنه ثم شهد عليه قبلت شهادته لأنا لو لم نقبلها لاتخذ الخصوم ذلك ذريعة إلى إسقاط الشهادة هكذا حكاه الروياني عن القفال وذكره جماعة منهم البغوي في كتاب اللعان أن شهادة المقذوف على قاذفه قبل طلب الحد مقبولة وبعده لا تقبل لظهور العداوة وأنه لو شهد بعد الطلب ثم عفا وأعاد تلك الشهادة لم تقبل كالفاسق إذا شهد ثم تاب وأعاد تلك الشهادة وأنه لو شهد قبل الطلب ثم طلب قبل الحكم لم يحكم بشهادته كما لو فسق الشاهد قبل الحكم لكن في تعليق الشيخ أبي حامد وغيره أن الشافعي رحمه الله صور العداوة الموجبة للرد فيما إذا قذف رجل رجلا أو ادعى عليه أنه قطع الطريق عليه وأخذ ماله فيقال يصيران عدوين فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر فاكتفى بالقذف دليلا على العداوة ولم يتعرض لطلب الحد قال الروياني لعل القفال أراد غير صورة القذف ثم على ما ذكره البغوي الحكم غير منوط بأن يطلب المقذوف الحد بل بأن يظهر العداوة ولا شك أنه لو شهد على رجل فقذفه المشهود عليه لم يمنع ذلك من الحكم بشهادته نص عليه. فرع العداوات الدينية لا توجب رد الشهادة بل يقبل للمسلم على الكافر والسني على المبتدع وكذا من أبغض الفاسق لفسقه لا ترد شهادته عليه ولو قال عالم ناقد لا تسمعوا الحديث من فلان فإنه مخلط أو لا تستفتوه فإنه لا يعرف الفتوى لم ترد شهادته لأن هذا نصيحة للناس نص عليه. تقبل شهادة العدو لعدوه إذ لا تهمة. فرع العصبية أن يبغض الرجل لكونه من بني فلان فإن انضم إليها دعاء الناس وتآلفهم للإضرار به والوقيعة فيه اقتضى رد شهادته عليه ومجرد هذا لا يقتضيه وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه وعترته فتقبل شهادته لهم وشهادتهم له وتقبل شهادته لصديقه وأخيه وإن كان يصله ويبره. فرع في شهادة المبتدع جمهور الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة لكن اشتهر عن الشافعي رضي الله عنه تكفير الذين ينفون علم الله تعالى بالمعدوم ويقولون ما يعلم الأشياء حتى يخلقها ونقل العراقيون عنه تكفير الناهين للرؤية والقائلين بخلق القرآن وتأوله الإمام فقال ظني أنه ناظر بعضهم فألزمه الكفر في الحجاج فقيل إنه كفرهم. قلت أما تكفير منكري العلم بالمعدوم أو بالجزئيات فلا شك فيه وأما من نفى الرؤية أو قال بخلق القرآن فالمختار تأويله وسننقل إن شاء الله تعالى عن نصه في الأم ما يؤيده وهذا التأويل الذي ذكره الإمام حسن وقد تأوله الإمام الحافظ الفقيه الأصولي أبو بكر البيهقي رضي الله عنه وآخرون تأويلات متعارضة على أنه ليس المراد بالكفر الإخراج من الملة وتحتم الخلود في النار وهكذا تأولوا ما جاء عن جماعة من السلف من إطلاق هذا اللفظ واستدلوا بأنهم لم يلحقوهم بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغير ذلك والله أعلم. ثم من كفر من أهل البدع لا تقبل شهادته وأما من لا يكفره من أهل البدع والأهواء فقد نص الشافعي رحمه الله في الأم والمختصر على قبول شهادتهم إلا الخطابية وهم قوم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول لي على فلان كذا فيصدقه بيمين أو غيرها ويشهد له اعتماداً على أنه لا يكذب هذا نصه وللأصحاب فيه ثلاث فرق فرقة جرت على ظاهر نصه وقبلت شهادة جميعهم وهذه طريقة الجمهور منهم ابن القاص وابن أبي هريرة والقضاة ابن كج وأبو الطيب والروياني واستدلوا بأنهم مصيبون في زعمهم ولم يظهر منهم ما يسقط الثقة بقولهم وقبل هؤلاء شهادة من سب الصحابة والسلف رضي الله عنهم لأنه تقدم عليه عن اعتقاد لا عن عداوة وعناد قالوا ولو شهد خطابي وذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد على قول المدعي بأن قال سمعت فلاناً يقر بكذا لفلان أو رأيته أقرضه قبلت شهادته وفرقة منهم الشيخ أبو حامد ومن تابعه حملوا النص على المخالفين في الفروع وردوا شهادة أهل الأهواء كلهم وقالوا هم بالرد أولى من الفسقة وفرقة ثالثة توسطوا فردوا شهادة بعضهم دون بعض فقال أبو إسحاق من أنكر إمامة أبي بكر رضي الله عنه ردت شهادته لمخالفته الإجماع ومن فضل علياً على أبي بكر رضي الله عنهما لم ترد شهادته ورد الشيخ أبو محمد شهادة الذين يسبون الصحابة ويقذفون عائشة رضي الله عنها فإنها محصنة كما نطق به القرآن وعلى هذا جرى الإمام والغزالي والبغوي وهو حسن وفي الرقم أن شهادة الخوارج مردودة لتكفيرهم أهل القبلة. قلت الصواب ما قالته الفرقة الأولى وهو قبول شهادة الجميع فقد قال الشافعي رحمه الله في الأم ذهب الناس في تأويل القرآن والأحاديث إلى أمور تباينوا فيها تبايناً شديداً واستحل بعضهم من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك متقادماً منه ما كان في عهد السلف إلى اليوم فلم نعلم أحداً من سلف الأمة يقتدى به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله تعالى عليه فلا ترد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال المال والدم هذا نصه بحروفه وفيه التصريح بما ذكرنا وبيان ما ذكرناه في تأويل تكفير القائل بخلق القرآن ولكن قاذف عائشة رضي الله عنها كافر فلا تقبل شهادته ولنا وجه أن الخطابي لا تقبل شهادته وإن بين ما يقطع لاحتمال اعتماده وقول صاحبه والله أعلم. السبب الرابع الغفلة وكثرة الغلط ولا تقبل شهادة المغفل الذي لا يحفظ ولا يضبط فإن شهد مفسراً وبين وقت التحمل ومكانه فزالت الريبة عن شهادته قبلت ولا تقبل شهادة من كثر غلطه ونسيانه وأما الغلط اليسير فلا يقدح في الشهادة لأنه لا يسلم منه أحد قال الإمام ومعظم شهادات العوام يشوبها جهل وغرة فيحوج إلى الاستفصال كما سبق في آداب القضاء. السبب الخامس أن يدفع بالشهادة عن نفسه عار الكذب فإن شهد فاسق ورد القاضي شهادته ثم تاب بشرط التوبة فشهادته المستأنفة مقبولة بعد ذلك ولو أعاد تلك الشهادة التي ردت لم تقبل وقال المزني تقبل ولو شهد كافر أو عبد أو صبي فردت شهادته ثم كمل فأعادها قبلت لعدم تهمتهم بدفع العار بخلاف الفاسق فإن كان يخفي فسقه والرد يظهره فيسعى في دفع العار بإعادة الشهادة فلو كان معلنا بفسقه حين شهد ففي قبول شهادته المعادة بعد التوبة وجهان أصحهما عند الأكثرين لا يقبل أيضاً وإنما يجيء الوجهان إذا أصغى القاضي إلى شهادته مع ظهور فسقه ثم ردها وفي الإصغاء وجهان أصحهما وبه قال الشيخ أبو محمد واستحسنه الإمام لا يصغي كشهادة العبد والصبي ولو كان الكافر يستتر بكفره وردت شهادته ثم أسلم وأعادها لم تقبل على الأصح ولو ردت شهادته لعداوة فزالت وأعادها لم تقبل على الأصح ويجريان فيما لو شهد لمكاتبه بمال أو لعبده بنكاح فردت فأعادها بعد عتقهما وأجاب ابن القاص هنا بالقبول ويجريان فيما لو شهد اثنان من الشفعاء بعفو شفيع ثالث قبل عفوهما فردت شهادتهما ثم عفوا وأعاداها وفيما شهد اثنان لمورثهما بجراحة غير مندملة فردت ثم أعادها بعد الاندمال ولو شهد فرعان على شهادة أصل فردت شهادتهما لفسق الأصل فقد صارت شهادة مردودة فلو تاب وشهد بنفسه وأعاد الفرعان شهادتهما على شهادته أو شهد على شهادته فرعان آخران لم تقبل ولو ردت شهادة الفرعين لفسقهما لم تتأثر به شهادة الأصل. السبب السادس الحرص على الشهادة بالمبادرة اعلم أن الحقوق ضربان ضرب لا تجوز المبادرة إلى الشهادة عليه وضرب يجوز وتسمى الشهادة على هذا الثاني على وجه المبادرة شهادة حسبة فحيث لا يجوز فالمبادر متهم فلا تقبل شهادته والمبادرة أن يشهد من غير تقدم دعوى فإن شهد بعد دعوى قبل أن يستشهد ردت شهادته أيضاً على الأصح للتهمة وإذا رددناها ففي مصيره مجروحاً وجهان الأصح لا وبه قطع أبو عاصم وظاهر هذا كون الخلاف في سقوط عدالته مطلقاً ويؤيده أن القاضي أبا سعد الهروي قال الوجهان مبنيان على أن المبادرة من الصغائر أم من الكبائر لكن منهم من يفهم كلامه اختصاص الخلاف برد تلك الشهادة وحدها إذا أعادها فقد قال البغوي وإذا قلنا يصير مجروحاً لا يشترط استبراء حاله حتى لو شهد في حادثة أخرى تقبل فأشعر كلامه باختصاص الخلاف. تقبل شهادة من احتبى وجلس في زاوية محتبياً لتحمل الشهادة ولا تحمل على الحرص لأن الحاجة قد تدعو إليه وحكى الفوراني قولا قديماً أنها لا تقبل وهو شاذ قال وعلى المشهور يستحب أن يخبر الخصم أني شهدت عليك لئلا يبادر إلى تكذيبه فيعزره القاضي ولو قال رجلان لثالث توسط بيننا لنتحاسب ونتصادق فلا تشهد علينا بما يجري فهذا شرط باطل وعليه أن يشهد. الضرب الثاني ما تقبل فيه شهادة الحسبة وهو ما تمحض حقاً لله تعالى أو كان له فيه حق متأكد لا يتأثر برضى الآدمي فمنه الطلاق وأما الخلع فأطلق البغوي المنع فيه وقال الإمام يقبل في الفراق دون المال قال ولا أبعد ثبوته تبعاً ولا إثبات الفراق دون البينونة ومنه العتق والاستيلاد دون التدبير ويقبل في العتق بالتدبير ولا يقبل في الكتابة فإن أدى النجم الأخير شهد بالعتق وفي شراء القريب وجهان أحدهما تقبل شهادة الحسبة فيه لحق الله تعالى وأصحهما لا لأنهم يشهدون بالملك ومنه العفو عن القصاص والصحيح قبولها فيه ومنه الوصية والوقف إذا كانا لجهة عامة فإن كان لجهة خاصة فالأصح المنع ونقله الإمام عن الجمهور لتعلقه بحظوظ خاصة ومنه تحريم الرضاع والنسب وفي النسب وجه ومنه بقاء العدة وانقضاؤها وتحريم المصاهرة وكذا الزكوات والكفارات والبلوغ والإسلام والكفر والحدود التي هي حقوق لله تعالى كالزنى وقطع الطريق وكذا السرقة على الصحيح لكن الأفضل في الحدود الستر ومنه الإحصان والتعديل وأما ما هو حق آدمي كالقصاص وحد القذف والبيوع والأقارير فلا تقبل فيه شهادة الحسبة فإن لم يعلم صاحب الحق بالحق أخبره الشاهد حتى يدعي ويستشهده فليشهد وقيل تقبل شهادة الحسبة في الدماء خاصة وقيل تقبل في الأموال أيضاً وقيل تقبل إن لم يعلم المستحق بالحق والصحيح المنع مطلقاً. فرع ما قبلت فيه شهادة الحسبة هل يسمع فيه دعوى الحسبة وجهان لا وبه قطع القفال في الفتاوى لأن الثبوت بالبينة وهي غنية عن الدعوى وقال القاضي حسين تسمع لأن البينة قد لا تساعد وقد يراد استخراج الحق بإقرار المدعى عليه. فرع شهود الحسبة يجيئون إلى القاضي ويقولون نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه فإن ابتدءوا وقالوا فلان زنى فهم قذفة وفي الفتاوي أنه لو جاء رجلان وشهدا بأن فلاناً أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا وهو يريد أن ينكحها وأنه لو شهد اثنان بطلاق وقضى القاضي بشهادتهما ثم جاء آخران يشهدان بأخوة بين المتناكحين لم تقبل هذه الشهادة إذ لا فائدة لها في الحال ولا بكونهما قد يتناكحان بعد وان الشهادة على أنه أعتق عبده إنما تسمع إذا كان المشهود عليه يسترقه وهذه الصورة تفهمك أن شهادة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة ولو جاء عبدان لرجل فقالا إن سيدنا أعتق أحدنا وقامت بينة بما يقولان سمعت وإن كانت الدعوى فاسدة لأن البينة على العتق مستغنية عن تقدم الدعوى.
إن لم يعقل الإشارة مردودة وكذا إن عقلها على الأصح عند الأكثرين فعلى هذا يعتبر في الشاهد سوى الشروط الستة كونه ناطقاً وذكر الصيمري أنه لا تقبل شهادة محجور عليه بالسفه فإن كان كذلك زاد شرط ثامن.
وفيها خلاف لبعض العلماء منها شهادة البدوي على القروي وعكسه مقبولة وكذا شهادة المحدود في القذف وغيره بعد التوبة مقبولة في جنس ما حد وفي غيره وتقبل شهادة ولد الزنى ويجوز أن يكون قاضياً.
قد سبق أن من لا تقبل شهادته لمعصية تقبل إذا تاب وظهر إعراضه عما كان عليه قال الأصحاب التوبة تنقسم إلى توبة بين العبد وبين الله تعالى وهي التي يسقط بها الإثم وإلى توبة في الظاهر وهي تتعلق بها عود الشهادة والولايات أما الأولى فهي أن يندم على فعل ويترك فعله في الحال ويعزم أن لا يعود إليه ثم إن كانت المعصية لا يتعلق بها حق مالي لله تعالى ولا للعباد كقبلة الأجنبية ومباشرتها فيما دون الفرج فلا شيء عليه سوى ذلك وإن تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه ويجب أن يعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك فإن مات سلمه إلى وارثه فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره دفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته فإن تعذر تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ذكره العبادي في الرقم والغزالي في غير كتبه الفقهية وإن كان معسراً نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة. قلت ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئاً خطأ وعجز عن غرامته حتى مات فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه والمرجو أن الله تعالى يعوض صاحب الحق وقد أشار إلى هذا إمام الحرمين في أول كتاب النكاح وتباح الاستدانة لحاجة في غير معصية ولا سرف إذا كان يرجو الوفاء من جهة أو سبب ظاهر والله أعلم. وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي فإن كان حداً لله تعالى بأن زنى أو شرب فإن لم يظهر عليه فله أن يظهره ويقر به ليقام عليه الحد ويجوز أن يستر على نفسه وهو الأفضل فإن ظهر فقد فات الستر فيأتي الإمام ليقيم عليه الحد قال ابن الصباغ إلا إذا تقادم عليه العهد وقلنا يسقط الحد وإن كان حقاً للعباد كالقصاص وحد القذف فيأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء فإن لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يعلمه فيقول أنا الذي قتلت أباك ولزمني القصاص فإن شئت فاقتص وإن شئت فاعف وفي حد القذف سبق في كتب اللعان خلاف في وجوب إعلامه وقطع العبادي وغيره هنا بأنه يجب إعلامه كالقصاص وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار وإن بلغته أو طرد طارد قياس القصاص والقذف فيها فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة استغفر الله تعالى ولا اعتبار بتحليل الورثة هكذا ذكره الحناطي وغيره قال العبادي والحسد كالغيبة وهو أن يهوى زوال نعمة الغير ويسر ببليته فيأتي المحسود ويخبره بما أضمره ويستحله ويسأل الله تعالى أن يزيل قلت المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود بل لا يستحب ولو قيل يكره لم يبعد وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة أم يشترط معرفتها للعافي فيه وجهان سبقا في كتاب الصلح والله أعلم. فرع لو قصر فيما عليه من دين ومظلمة ومات المستحق واستحقه وارث بعد وارث ثم مات ولم يوفهم فمن يستحق المطالبة به في الآخرة فيه أوجه أرجحها وبه أفتى الحناطي أنه صاحب الحق أولا والثاني أنه آخر من مات من ورثته أو ورثة ورثته وإن نزلوا والثالث ذكره العبادي في الرقم أنه يكتب الأجر لكل وارث مدة حياته ثم بعده لمن بعده ولو دفع إلى بعض الوارثين عند انتهاء الاستحقاق إليه خرج عن مظلمة الجميع فيما سوف ومطل وأما التوبة في الظاهر فالمعاصي تنقسم إلى فعلية وقولية أما الفعلية كالزنى والسرقة والشرب فإظهار التوبة منها لا يكفي في قبول الشهادة وعود الولاية بل يختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه قد أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته وفي تقدير هذه المدة أوجه الأكثرون أنها سنة والثاني ستة أشهر ونسبوه إلى النص والثالث لا يتقدر بمدة إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقه ويختلف ذلك بالأشخاص وإمارات الصدق وهذا اختيار الإمام والعبادي والغزالي وأما القولية فمنها القذف ويشترط في التوبة منه القول كما أن التوبة من الردة بكلمتي الشهادة قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه فأخذ الاصطخري بظاهره وشرط أن يقول كذبت فيما قذفت ولا أعود إلى مثله وقال الجمهور لا يكلف أن يقول كذبت فربما كان صادقاً فكيف نأمره بالكذب ولكن يقول القذف باطل وإني نادم على ما فعلت ولا أعود إليه أو يقول ما كنت محقاً في قذفي وقد تبت منه ونحو ذلك وسواء في هذا القذف على سبيل السب والإيذاء والقذف على صورة الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود إن قلنا بوجوب الحد على من شهد فإن لم نوجب فلا حاجة بالشاهد إلى التوبة ويشبه أن يشترط في هذا الإكذاب كونه عند القاضي ثم إذا تاب بالقول فهل يستبرئ المدة المذكورة إذا كان عدلا قبل القذف ينظر إن كان القذف على صورة الشهادة لم يشترط على المذهب وإن كان قذف سب وإيذاء اشترط على المذهب واعلم أن اشتراط التوبة بالقول في القذف مشكل وإلحاقه بالردة ضعيف فإن اشتراط كلمتي الشهادة مطرد في الردة القولية والفعلية كإلقاء المصحف في القاذورات ثم مقتضى ما ذكروه في القذف أن يشترط التوبة بالقول في سائر المعاصي القولية كشهادة الزور والغيبة والنميمة وقد صرح صاحب المهذب بذلك في شهادة الزور فقال التوبة منها أن يقول كذبت فيما فعلت ولا أعود إلى مثله. لو قذف وأتى ببينة على زنى المقذوف فوجهان حكاهما الإمام أحدهما لا تقبل شهادته لأنه ليس له أن يقذف ثم يقيم البينة بل كان ينبغي أن يجيء مجيء الشهود والصحيح القبول لأن صدقه قد تحقق بالبينة وكذا الحكم لو اعترف المقذوف وكذا لو قذف زوجته ولاعن وسواء في رد الشهادة وكيفية التوبة قذف محصناً أو غيره حتى لو قذف عبد نفسه ردت شهادته ويكفي تحريم القذف سبباً للرد وشاهد الزور يستبرئ كسائر الفسقة فإذا ظهر صلاحه قبلت شهادته في غير تلك الواقعة ومن غلط في شهادة لا يشترط استبراؤه وتقبل شهادته في غير واقعة الغلط ولا تقبل فيها. قلت التوبة من أصول الإسلام المهمة وقواعد الدين وأول منازل السالكين قال الله تعالى " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون " فالتوبة من المعصية واجبة على الفور بالاتفاق وقد تقدمت صفتها وتصح التوبة من ذنب وإن كان ملابساً ذنباً آخر مصراً عليه ولو تاب من ذنب ثم فعله مرة أخرى لم تبطل التوبة بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الأول ولو تكررت التوبة ومعاودة الذنب صحت هذا مذهب الحق في المسلمين خلافاً للمعتزلة قال إمام الحرمين في الإرشاد والقتل الموجب للقود تصح التوبة منه قبل تسليم القاتل نفسه ليقتص منه فإذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى وكان منعه القصاص من مستحقه معصية مجددة ولا يقدح في التوبة بل يقتضي توبة منها ومن تاب عن معصية ثم ذكرها قال الإمام القاضي أبو بكر بن الباقلاني رحمه الله يجب عليه تجديد الندم عليها كلما ذكرها إذ لو لم يندم لكان مستهيناً بها وذلك ينافي الندم واختار إمام الحرمين أنه لا يجب ولا يلزم من ذكرها بلا ندم الاستهانة بل قد يذكر ويعرض عنها قال القاضي وإذا لم يجدد التوبة كان ذلك معصية جديدة والتوبة الأولى صحيحة لأن العبادة الماضية لا ينقضها شيء بعد فراغها قال فيجب تجديد توبة عن تلك المعصية وتجب توبة من ترك التوبة إذا حكمنا بوجوبها قال الإمام وإذا أسلم الكافر فليس إسلامه توبة عن كفره وإنما توبته ندمه على كفره ولا يتصور أن يؤمن ولا يندم على كفره بل تجب مقارنة الإيمان للندم على الكفر ثم وزر الكفر يسقط بالإيمان والندم على الكفر بالإجماع هذا مقطوع وما سواه من ضروب التوبة فقبوله مظنون غير مقطوع به وقد أجمعت الأمة على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره صحت توبته وإن استدام معاصي أخر هذا كلام الإمام وهذا الذي قاله إن القبول مظنون هو الصحيح وقال جماعة من متكلمي أصحابنا هو مقطوع والله أعلم.
ثم بان له أنهما كانا عبدين أو كافرين أو صبيين أو امرأتين نقض حكمه لأنه تيقن الخطأ كما لو حكم باجتهاده فوجد النص خلافه ولو بان ذلك لقاض آخر نقضه أيضاً فإن قيل قد اختلف العلماء في شهادة العبد فكيف نقض الحكم في محل الاختلاف والاجتهاد فالجواب أن الصورة مفروضة فيمن لا يعتقد الحكم بشهادة العبد وحكم بشهادة من ظنهما حرين ولا اعتداد بمثل هذا الحكم ولأنه حكم يخالف القياس الجلي لأن العبد ناقص في الولايات وسائر الأحكام فكذا الشهادة وإن بان أنه حكم بشهادة فاسقين نقض حكمه على الأظهر وقيل قطعاً ولو شهد عدلان ثم فسقا قبل أن نحكم بشهادتهما لم نحكم بها قطعاً لأن الفسق يخفى غالباً فربما كانا فاسقين عند الشهادة ولو ارتدا قبل الحكم لم يحكم على الصحيح لأنها توقع ريبة وقيل لا يؤثر حدوثها بعد شهادتهما وقال الداركي إن ارتد إلى كفر يستشر أهله به فكالفسق وإلا فلا يؤثر ولو شهدا في حد أو مال ثم ماتا أو جنا أو عميا أو خرسا لم يمنع حدوث هذه الأحوال الحكم بشهادتهما لأنها لا توهم ريبة فيما مضى ويجوز وقوع التعديل بعد حدوثها ولو فسق الشاهدان أو ارتدا بعد الحكم بشهادتهما وقبل الاستيفاء فهو كرجوع الشاهدين بعد الحكم وقبل الاستيفاء وفيه خلاف وتفصيل سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى والمذهب أنه لا يؤثر في المال بل يستوفى. قال القاضي بعد الحكم بشهادة شاهدين قد بان لي أنهما كانا فاسقين ولم تظهر بينة بفسقهما قال الغزالي في الفتاوي إذا لم يتهم في قضائه بعلمه مكن من ذلك أيضاً قال ولو قال أكرهني السلطان على الحكم بقولهما وكنت أعرف فسقهما قبل قوله من غير بينة الإكراه ولو بان بالبينة أن الشاهدين كانا والدين للمشهود له أو ولدين أو عدوين للمشهود عليه نقض الحكم وبالله التوفيق.
قول الشاهد الواحد لا يكفي الحكم به إلا في هلال رمضان على الأظهر وأما القضاء بشاهد ويمين وإن قلنا على وجه إن القضاء بالشاهد فليس فيه اكتفاء بشاهد بل يشترط معه اليمين ثم الشهادات ثلاثة أضرب الأول الشهادة على الزنى فلا تثبت إلا بأربعة رجال وتثبت الشهادة على الإقرار بالزنى برجلين على الأظهر وفي قول يشترط أربعة ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة على المذهب ويثبت القذف بشاهدين على المشهور ونقل أبو عاصم قولا قريباً في اشتراط أربعة. فرع سبق في السرقة أنه يشترط في الشهادة على الزنى أن يذكروا التي زنى بها وأن يذكروا الزنى مفسراً فيقولون رأينا أدخل ذكره أو قدر الحشفة منه في فرج فلانة على سبيل الزنى ولا يكفي إطلاقه الزنى فقد يظنون المفاخذة زنى وقد تكون الموطوءة جارية ابنه أو مشتركة بينه وبين غيره بخلاف ما لو ادعت وطء شبهة وطلبت المهر فإنه يكفي الشهادة على الوطء ولا يشترط قولهم رأينا ذلك منه في ذلك منها لأن المقصود هناك المال فلم يلزم هذا الاحتياط وقد وقع في كلام الغزالي وغيره أن الشاهد يقول رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة وهذا التشبيه زيادة بيان وليس بشرط صرح به القاضي أبو سعد. فرع هل يجوز النظر إلى الفرج لتحمل شهادة الزنى أو ولادة أو عيب باطن أم لا وإنما يشهد عليه عند وقوع النظر إليه اتفاقاً فيه أوجه سبقت في أول النكاح الأصح المنصوص الجواز والثاني المنع والثالث المنع في الزنى دون غيره والرابع عكسه. الضرب الثاني ما ليس بمال ولا يقصد منه مال فإن كان عقوبة لم تثبت إلا برجلين سواء فيه حق الله تعالى كحد الشرب وقطع الطريق وقتل الردة وحق العباد كالقصاص في النفس أو الطرف وحد القذف والتعزير كالحد ولا مدخل لشهادة النساء فيها وإن كان غير عقوبة فهو نوعان أحدهما يطلع عليه الرجال غالباً فلا يقبل فيه إلا رجلان وذلك كالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والإسلام والردة والبلوغ والإيلاء والظهار والإعسار والموت والخلع من جانب المرأة والولاء وانقضاء العدة وجرح الشهود وتعديلهم والعفو عن القصاص والإحصان والكفالة والشهادة برؤية هلال غير رمضان والشهادة على الشهادة والقضاء والولاية إن اشترطنا فيهما الشهادة والتدبير والاستيلاد وكذا الكتابة على الصحيح وقيل تثبت الكتابة برجل وامرأتين ومنه الوكالة والوصاية وإن كانتا من المال لأنهما ولاية وسلطنة ومنه القراض وكذا الشركة على الأصح وقيل تثبت برجل وامرأتين النوع الثاني ما لا يطلع عليه الرجال وتختص النساء بمعرفته غالباً فيقبل فيه شهادتهن منفردات وذلك كالولادة والبكارة والثيابة والرتق والقرن والحيض والرضاع وعيب المرأة من برص وغيره تحت الإزار حرة كانت أو أمة وكذا استهلال الولد على المشهور فكل هذا النوع لا يقبل فيه إلا أربع نسوة أو رجلين أو رجل وامرأتين قال البغوي والعيب في وجه الحرة وكفيها لا يثبت إلا برجلين وفي وجه الأمة وما يبدو منها في المهنة يثبت برجل وامرأتين لأن المقصود منه المال قال والجراحة على فرج المرأة لا يلحق بالعيب لأن جنس الجراحة مما يطلع عليه الرجل غالباً هكذا قاله لكن جنس العيب مما يطلع عليه الرجال غالباً لكن لا يطلعون على العيب الخاص وكذا هذه قلت الصواب إلحاق الجراحة على فرجها بالعيوب تحت الثياب وعجب من البغوي كونه ذكر خلاف هذا وتعلق بمجرد الاسم والله أعلم. الضرب الثالث ما هو مال أو المقصود منه مال كالأعيان والديون والعقود المالية فيثبت برجلين وبرجل وامرأتين ولا يثبت بنسوة منفردات فمن هذا الضرب البيع والإقالة والإجارة والرد بالعيب والحوالة والضمان والصلح والقرض والشفعة والمسابقة وخيول المسابقة والغصب والإيلاء والوصية بمال والمهر في النكاح ووطء الشبهة والجنايات التي لا توجب إلا المال كقتل الخطأ وقتل الصبي والمجنون وقتل الحر العبد والمسلم الذمي والوالد الولد والسرقة التي لا قطع فيها وكذا حقوق الأموال والعقود كالخيار وشرط الرهن والأجل وفي الأجل وجه لأنه ضرب سلطنة ومنه قبض الأموال منها نجوم الكتابة وفي النجم الأخير وجه ضعيف أنه يشترط له رجلان لتعلق العتق به ومنه الرهن والإبراء على الصحيح فيهما ومنه طاعة الزوجة لاستحقاق النفقة وقتل الكافر لاستحقاق السلب وإدمان الصيد لتملكه وعجز المكاتب عن النجوم ومنه الوقف وفي ثبوته برجل وامرأتين ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الباب الرابع في ثبوته بشاهد ويمين ولو مات سيد المدبر فادعى الوارث أنه كان رجع عن التدبير وقلنا يجوز الرجوع ثبت برجل وامرأتين ولو ادعى رق شخص أو ادعى جارية في يد غيره أنها أم ولد ثبت برجل وامرأتين ولو توافق الزوجان على الطلاق وقال الزوج طلقتك على كذا وقالت بل مجاناً ثبتت دعواه برجل وامرأتين وكذا لو فالعبده أعتقتك بكذا فقال مجاناً ولو توافقا على النكاح واختلفا في قدر المهر أو صفته أو على الخلع واختلفا في قدر العوض أو صفته ثبت برجل وامرأتين وكذا لو توافق السيد والعبد على الكتابة واختلفا في قدر النجوم أو صفتها والإقرار بكل ما يثبت برجلين يثبت برجل وامرأتين وفسخ العقود المالية يثبت برجل وامرأتين وفسخ الطلاق لا يثبت إلا برجلين. فرع الخنثى المشكل كالمرأة في الشهادة. فرع لو شهد بالسرقة رجل وامرأتان ثبت المال وإن لم يثبت القطع وحكي قول أنه لا يثبت المال كما لو شهد بقتل العمد رجل وامرأتان فإنه لا يثبت الدية كما لا يثبت القصاص والمشهور الأول ولو شهد رجل وامرأتان على صداق في نكاح ثبت الصداق لأنه المقصود ولو علق طلاق امرأته أو عتق عبده على الولادة فشهد بالولادة أربع نسوة ثبتت الولادة دون الطلاق والعتق وكذا لو علقهما على الغصب والإتلاف فشهد بهما رجل وامرأتان ثبت الغصب والإتلاف ولا يقع الطلاق والعتق كما سبق في كتاب الصوم أنا إذا أثبتنا هلال رمضان بعدل لا يحكم بوقوع الطلاق والعتق المعلقين برمضان ولا بحلول الدين المؤجل به هذا إذا تقدم التعليق فلو ثبت الغصب أولا برجل وامرأتين وحكم الحاكم به ثم جرى التعليق فقال لها إن كنت غصبت فأنت طالق وقد ثبت غصبها برجل وامرأتين وقع الطلاق هكذا قاله ابن سريج وجمهور الأصحاب وقياسه أن يكون الحكم هكذا في التعليق برمضان وحكى الإمام عن حكاية شيخه وجها أنه لا يقع.
وشهد له به اثنان نظر إن كان عيناً وطلب المدعي الحيلولة بينهما وبين المدعى عليه إلى أن يزكى الشاهدان أجيب إليه على الأصح وقيل لا يجاب وقيل يجاب إن كان المال مما يخاف تلفه أو تعيبه وإن كان عقاراً ونحوه فلا وإن كان المدعى ديناً لم يستوف قبل التزكية وقيل يستوفى ويوقف حكاه ابن القطان والصحيح الأول فلو طلب المدعي أن يحجر على المدعى عليه نقل الإمام عن الجمهور أنه لا يجيبه وعن القاضي حسين أنه إن كان يتهمه بحيلة حجر عليه لئلا يضيع ماله بالتصرفات والأقارير ولم يتعرض عامة الأصحاب للحجر لكن قالوا هل يحبس المدعى عليه إذا كان المدعى ديناً فيه وجهان قال البغوي أصحهما نعم فإن قلنا لا فللمدعي ملازمته إلى أن يعطيه كفيلا وأجرة من يبعثه القاضي معهما للتكفيل على المدعى وإن كان المدعى قصاصاً أو حد قذف حبس المشهود عليه لأن الحق متعلق ببدنه فيحتاط له. قلت قال البغوي سواء قذف زوجته أو أجنبياً والله أعلم. ولا يحبس في حدود الله تعالى وأما في دعوى النكاح فتعدل المرأة عند امرأة ثقة وتمنع من الانتشار والخروج وفيه وجه ضعيف فعلى هذا الوجه هل يؤخذ منها كفيل وجهان قال القاضي أبو سعد فإن كانت المرأة مزوجة لم يمنع منها زوجها قبل التعديل لأنه ليس مدعى عليه ولو شهد اثنان لعبد بأن سيده أعتقه وطلب العبد الحيلولة قبل التزكية أجله القاضي وحال بينه وبين سيده ويؤجره وينفق عليه فما فضل فموقوف بينه وبين السيد فإن لم يكن له كسب أنفق عليه من بيت المال ثم يرجع على سيده إن بان جرح الشهود واستمر الرق وكذا الأعيان المنتزعة يؤجرها وهل تتوقف الحيلولة على طلب العبد وجهان الأصح لا بل إذا رأى الحاكم الحيلولة فعلها وفي الأمة تتحتم الحيلولة احتياطاً للبضع وكذا لو ادعت المرأة الطلاق وأقامت شاهدين فرق الحاكم بينهما قبل التزكية والوجهان في اشتراط طلب العبد للحيلولة جاريان في انتزاع العين المدعاة ويقرب منها وجهان حكاهما ابن كج في أن إجارة العبد هل تفتقر إلى طلب السيد أو العبد أم يؤجره بغير طلبهما والثاني أقرب إلى ظاهر النص هذا كله إذا أقام المدعي شاهدين فلو أقام شاهداً وطلب الانتزاع قبل أن يأتي بآخر هل يجاب قولان أظهرهما عند الجمهور لا لأن الشاهد وحده ليس بحجة وفي الشاهدين تمت الحجة وهل يحبس المدعى عليه في القصاص والقذف بشاهد فيه القولان ويجري فيه الخلاف في دعوى النكاح تعديلا ثم تكفيلا إن لم يعدل وفي دعوى العتق والطلاق هل يحال فيه القولان ثم ذكر العراقيون والروياني أن الحيلولة والحبس قبل التعديل يتعينان إلى ظهور الأمر للقاضي بالتزكية أو الجرح ولا تقدر له مدة والحيلولة والحبس بشاهد إذا قلنا به لا يزادان على ثلاثة أيام وعن أبي إسحاق أنه لا حيلولة ولا حبس إذا كان الشاهد الآخر غائباً لا يحضر إلا بعد ثلاثة أيام وإنما محل القولين إذا كان قريباً والمذهب ما سبق. فرع قال البغوي إذا حال القاضي بين العبد وسيده أو انتزع العين المدعاة بعد شهادة الشاهدين وقبل التزكية لم ينفذ تصرف المتداعيين فيه لكن لو أقر أحدهما بالموقوف لآخر أو أوصى به أو دبره أو أعتقه انتظرنا ما يستقر عليه الأمر آخراً وحكى القاضي أبو سعد وجهين في نفوذ تصرفه وصوره فيما إذا حجر القاضي على المشهود عليه في المشهود به فإن أراد بالحجر الحيلولة حصل الخلاف وإن أراد التلفظ بالحجر أشعر ذلك باشتراط الحجر القولي في امتناع التصرف قال وإذا قامت البينة وحصل التعديل والقاضي ينظر في وجه الحكم فينبغي أن يحجر عليه في مدة النظر فإن حجر لم ينفذ تصرفه قال البغوي وقبل الحيلولة والانتزاع لا ينفذ تصرف المدعي وينفذ تصرف المدعى عليه إن قلنا إن طلب المدعي شرط في الوقف وإلا فوجهان. فرع الثمرة والغلة الحادثان بعد شهادة الشاهدين وقبل التعديل تكون للمدعي وبين شهادة الأول وشهادة الثاني لا يكون للمدعي إلا إذا أرخ الثاني ما شهد به بيوم شهادة الأول أولا أو بما قبله فإن استخدم السيد العبد المدعي للعتق بين شهادة الأول والثاني على قولنا لا يحال بينهما وشهد الثاني هكذا لزمه أجرة المثل وبالله التوفيق.
وحكم تحمل الشهادة وأدائها فيه ثلاثة أطراف: الطرف الأول فيما يحتاج إلى الإبصار والأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين لكن من الحقوق ما لا يحصل اليقين فيه فأقيم الظن المؤكد فيه مقام اليقين وجوزت الشهادة بناء على ذلك الظن كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقد قسم الشافعي والأصحاب رحمهم الله المشهود به ثلاثة أقسام أحدها ما يكفي فيه السماع ولا يحتاج إلى الإبصار وموضع بيانه الطرف الثاني. الطرف الثاني ما يكفي فيه الإبصار وهو الأفعال كالزنى والشرب والغصب والإتلاف والولادة والرضاع والاصطياد والإحياء وكون المال في يد الشخص فيشترط فيها الرؤية المتعلقة بها وبفاعلها فلا يجوز بناء الشهادة فيها على السماع من الغير وتقبل فيها شهادة الأصم. الطرف الثالث ما يحتاج إلى السمع والبصر معاً كالأقوال فلا بد من سماعها ومشاهدة قائلها وذلك كالنكاح والطلاق والبيع وجميع العقود والفسوخ والإقرار بها فلا يقبل فيها شهادة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا تقبل شهادة الأعمى فيما يحتاج إلى الإبصار ولا يصح منه التحمل اعتماداً على الصوت فإن الأصوات تتشابه ويتطرق إليها التخييل والتلبيس مع أنه لا ضرورة إلى شهادته للإستغناء بالبصر بخلاف الوطء فإن له أن يطأ زوجته اعتماداً على صوتها بالإجماع للضرورة ولأن الوطء يجوز بالظن ولا تقبل شهادته على زوجته التي يطأها كما لا تقبل على الأجانب لأن الوطء ضرورة وقد سبق وجه أن العمى لا يقدح في القضاء وهو مع ضعفه جار في الشهادة والصواب المنع ويستثنى عن هذا صورة الضبطة وهي أن يضع رجل فمه على أذنه ويد الأعمى على رأسه فينظر إن سمعه يقر بطلاق أو عتق أو لرجل معروف الاسم والنسب بمال ويتعلق به الأعمى ولا يزال يضبطه حتى يشهد بما سمع منه عند القاضي فيقبل هذه الشهادة على الصحيح لحصول العلم وقيل لا يقبل سداً للباب مع عسر ذلك وتقبل رواية الأعمى ما سمعه حال العمى على الصحيح وبه قطع الجمهور إذا حصل الظن الغالب بضبطه واختار الإمام المنع فأما ما سمعه قبل العمى فتقبل روايته في العمى بلا خلاف ولو تحمل شهادة تحتاج إلى البصر وهو بصير ثم عمي نظر إن تحمل على رجل معروف الاسم والنسب يقر لرجل بهذه الصفة فله أن يشهد بعدما عمي ويقبل لحصول العلم وكذا لو عمي ويد المقر في يده فشهد عليه لمعروف الاسم والنسب وإن لم يكن كذلك لم تقبل شهادته ويجوز الاعتماد على ترجمة الأعمى على الأصح ولو عمي القاضي بعد سماع البينة وتعديلها ففي نفوذ قضائه في تلك الواقعة وجهان أحدهما لا لانعزاله بالعمى كما لو انعزل بسبب آخر وأصحهما نعم إن لم يحتج إلى الإشارة كما لو تحمل الشهادة وهو بصير ثم عمي وأما شهادة الأعمى فيما يثبت بالاستفاضة فسيأتي في الطرف الثاني إن شاء الله تعالى. إذا شاهد فعل إنسان أو سمع قوله فإن كان يعرفه بعينه واسمه ونسبه شهد عليه عند حضوره بالإشارة إليه وعند غيبته وموته باسمه ونسبه فإن كان يعرفه باسمه واسم أبيه دون جده قال الغزالي يقتصر عليه في الشهادة فإن عرفه القاضي بذلك جاز وكان يحتمل أن يقال هذه شهادة على مجهول فلا تصح كما سبق في القضاء على الغائب أن القاضي لو لم يكتب إلا أني حكمت على محمد بن أحمد فالحكم باطل وقد ذكر الشيخ أبو الفرج أنه إذا لم يعرف نسبه قدر ما يحتاج إلى رفعه لا يحل له أن يشهد إلا بما عرف لكن الشهادة والحالة هذه لا تفيد وقال الإمام لو لم يعرفه إلا باسمه لم يتعرض لاسم أبيه لكن الشهادة على مجرد الاسم قد لا تنفع في الغيبة وبالجملة لا يشهد بما لا معرفة له به ولو سمع اثنين يشهدان أن فلاناً وكل هذا الرجل في بيع داره وأقر الوكيل بالبيع شهد على إقراره بالبيع ولم يشهد بالوكالة وكتب القفال في مثله أنه يشهد على شاهدي الوكالة وكأنهما أشهداه على شهادتهما ولو حضر عقد نكاح زعم الموجب أنه ولي المخطوبة أو وكيل وليها وهو لا يعرفه ولياً ولا وكيلا أو عرف الولاية أو الوكالة ولم يعرف رضى المرأة وهي ممن يعتبر رضاها لم يشهد على أنها زوجته لكن يشهد أن فلاناً أنكح فلانة فلاناً وقيل فلان فإن لم يعرف المرأة بنسبها لم يشهد إلا أن فلاناً قال زوجت فلانة فلانا وإن كان يعرف المشهود عليه بعينه دون اسمه ونسبه شهد عليه حاضراً لا غائباً فإن مات أحضر ليشاهد صورته ويشهد على عينه فإن دفن لم ينبش وقد تعذرت الشهادة عليه هكذا قاله القاضي حسين وتابعه الإمام والغزالي لكن استثنى الغزالي ما إذا اشتدت الحاجة إليه ولم يطل العهد بحيث يتغير منظره وهذا احتمال ذكره الإمام ثم قال والأظهر ما ذكره القاضي وإن لم يعرف اسمه ونسبه لم يكن له أن يعتمد قوله إنه فلان ابن فلان لكن لو تحمل الشهادة وهو لا يعرف اسمه ونسبه ثم سمع الناس يقولون إنه فلان ابن فلان واستفاض ذلك فله أن يشهد في غيبته على اسمه ونسبه كما لو عرفهما عند التحمل ولو قال له عدلان عند التحمل أو بعده هو فلان ابن فلان قال الشيخ أبو حامد له أن يعتمدهما ويشهد على اسمه ونسبه وهذا مبني على جواز الشهادة على النسب من عدلين وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. فرع كما أن المشهود عليه تارة تقع الشهادة على عينه وتارة على اسمه ونسبه فكذلك المشهود له فتارة يشهد أنه أقر لهذا وتارة لفلان ابن فلان وكذا عند غيبة المشهود له وإذا شهد الشاهدان أن لهذا على فلان ابن فلان الفلاني كذا فقال الخصم لست فلان ابن فلان الفلاني ففي فتاوى القفال أن على المدعي بينة أن اسمه فلان ونسبه ما ذكراه فإن لم يكن بينة حلفه فإن نكل حلف واستحق وإن سلم ذلك الاسم والنسب فادعى أن هناك من يشاركه فيهما لم يقبل منه حتى يقيم البينة على ما يدعيه فإن أقامها احتاج إلى اثبات زيادة يمتاز بها المدعى عليه على الآخر وهذا كما سبق في كتاب القاضي إذا بلغ المكتوب إليه وأحضر من زعم المدعي أنه المحكوم عليه ولتكن الصورة فيما إذا ادعى أنه يستحق على هذا الحاضر كذا واسمه ونسبه كذا أو أنه يستحق على من اسمه ونسبه كذا وهو هذا الحاضر وأقام البينة بالاستحقاق على فلان ابن فلان فيستفيد بها مطالبة الحاضر إن اعترف أنه فلان ابن فلان أو يقيم بينة أخرى على الأسم والنسب إن أمكن ثم يطالبه وإلا فكيف يدعي على فلان ابن فلان من غير أن يربط الدعوى بحاضر وفي الفتاوى أيضاً أنه لو أحضر رجلا عند القاضي وقال إن هذا أقر لفلان ابن فلان بكذا وأنا ذلك المقر له فقال الرجل نعم أقررت لكن هنا أو بموضع آخر رجل آخر بهذا الاسم والنسب وإنما أقررت له لزمه إقامة البينة على ما يدعيه فإذا أقامها سئل ذلك الآخر فإن صدقه دفع المقر به إليه ويحلف الأول على أنه لا شيء له عليه وإن كذبه فهو للمدعي وإن قال هناك رجل آخر بهذا الاسم والنسب وأنا أقررت لأحدهما لا أعلم عينه وأقام البينة برجل آخر سئل ذلك الآخر فإن قال لا شيء لي عليه فينبغي أن يجب عليه التسليم إلى الأول كما لو كانت عنده وديعة فقال هي لأحدكما ولا أدري أنها لأيكما فقال أحدهما ليست لي فإنها تكون للآخر وإن صدقه الآخر فهو كما في صورة الوديعة إذا قال كل واحد هي لي وقد حكينا في الوكالة فيما لو وكل رجلا بالخصومة بناء على اسم ونسب ذكره أنه لا بد من بينة على أنه وكيله فلان ابن فلان أو على أن الذي وكله عند القاضي هو فلان ابن فلان وحكينا عن القاضي حسين أن هذه المسألة يكتفي القضاة فيها بالعدالة الظاهرة ويتساهلون في البحث والاستزكاء وعن القاضي أبي سعد الهروي أنه يكتفى فيها بمعرف واحد وكل واحد من هذين الكلامين ينبغي أن يعود هنا حيث احتيج إلى إثبات كونه فلان ابن فلان.
كما لا يجوز أن يتحمل الأعمى اعتماداً على الصوت وكذا البصير في الظلمة أو من وراء حائل صفيق والحائل الرقيق لا يمنع على الأصح وإذا لم يجز التحمل بالصوت فإن عرفها متنقبة باسمها ونسبها أو بعينها لا غير جاز التحمل ولا يضر النقاب ويشهد عند الأداء بما يعلم فإن لم يعرفها فلتكشف عن وجهها ليراها الشاهد ويضبط حليتها وصورتها ليتمكن من الشهادة عليها عند الحاجة إلى الأداء وتكشف وجهها حينئذ ولا يجوز التحمل بتعريف عدل أو عدلين أنها فلانة بنت فلان فإن قال عدلان يشهدان هذه فلانة بنت فلان تقر بكذا فهما شاهداً الأصل والذي يسمع منهما شاهد فرع يشهد على شهادتهما عند اجتماع الشروط ولو سمعه من عدل واحد شهد على شهادته والشهادة على الشهادة والحالة هذه تكون على الاسم والنسب دون العين هذا ما ذكره أكثر المتكلمين في المسألة وفي وجه ثان عن الشيخ أبي محمد أنه يكيفه لتحمل الشهادة عليها معرف واحد سلوكاً به مسلك الإخبار وبهذا قال جماعة من المتأخرين منهم القاضي شريح الروياني ووجه ثالث أنه يجوز التحمل إذا سمع من عدلين أنها فلانة بنت فلان ويشهد على اسمها ونسبها عند الغيبة وهذا ما سبق عن الشيخ أبي حامد بناء على أنه تجوز الشهادة على النسب بالسماع من عدلين ووجه عن الاصطخري أنه إذا كان يعرف نسب امرأة ولا يعرف عينها فدخل دارها وفيها نسوة سواها فقال لابنها الصغير أيتهن أمك أو لجاريتها أيتهن سيدتك فأشارا إلى امرأة فسمع إقرارها جاز له أن يشهد أن فلانة بنت فلان أقرت بكذا حكاه ابن كج عنه ولم يجعل قول شاهدين على قول الاصطخري كإخبار الصغير والجارية وادعى أن ذلك أشد وقعاً في القلب وأثبت ولك أن تقول ينبغي أن لا يتوقف جواز التحمل على كشف الوجه لا على المعرف لأن من أقرت تحت نقاب ورفعت إلى القاضي والمتحمل ملازمها أمكن الشهادة على عينها وقد يحضر قوم يكتفى بإخبارهم في التسامع قبل أن تغيب المرأة إذا لم يشترط في التسامع طول المدة كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيخبرون عن اسمها ونسبها فيتمكن من الشهادة على اسمها ونسبها بل ينبغي أن يقال لو شهد اثنان تحملا الشهادة على امرأة لا يعرفانها أن امرأة حضرت يوم كذا مجلس كذا فأقرت لفلان هكذا وشهد عدلان أن المرأة الحاضرة يومئذ في ذلك المكان هي هذه ثبت الحق بالتبيين كما لو قامت بينة أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان ابن فلان ثبت الحق وإذا اشتمل التحمل على هذه الفوائد وجب أن يجوز مطلقاً ثم إن لم يحصل ما يفيد جواز التحمل على العين أو على الاسم والنسب أو لم ينضم إليه ما يتم به الإثبات فذاك لشيء آخر ويجوز النظر إلى وجهها لتحمل الشهادة وسماع كلامها وهذا عند الأمن من الفتنة فإن خاف فتنة فقد سبق أنه يحرم النظر إلى وجهها بلا خلاف فيشبه أن يقال لا ينظر الخائف للتحمل لأن في غيره غنية فإن تعين عليه نظر واحترز. فرع إذا قامت بينة على عين رجل أو امرأة بحق وأراد المدعي أن يسجل له القاضي فالتسجيل على العين ممتنع لكن يجوز أن يسجل بالحلية ولا سبيل إلى التسجيل بالاسم والنسب ما لم يثبت ولا يكفي فيهما قول المدعي ولا إقرار من قامت عليه البينة لأن نسب الشخص لا يثبت بإقراره فلو قامت بينة على نسبه على وجه الحسبة بني على أن شهادة الحسبة هل تقبل في النسب إن قبلناها وهو الصحيح اثبت القاضي النسب وسجل وإن لم نقبلها وهو اختيار القاضي حسين فقال الطريق هنا أن ينصب القاضي من يدعي على فلان ابن فلان ديناً أو على فاطمة بنت زيد أو يدعي على زيد ويقول هذه بنته وتركته عندها وينكر المدعي عليه النسب فيقيم المدعي البينة عليه قال وتجوز هذه الحيلة للحاجة واعترض الإمام بأن الدعوى الباطلة كالعدم فكيف يجوز بناء الشهادة عليها وكيف يأمر القاضي بها لكن الوجه أن يقال وكلاء المجلس يتفطنون لمثل ذلك فإذا نصبوا مدعياً لم يفحص القاضي ولم يضيق بل يسمع الدعوى والبينة للحاجة ولو أمر المدعي الذي ثبت له الحق بالبينة أن ينقل الدعوى عن العين إلى الدعوى على بنت زيد لينكر فيقيم البينة على النسب كان أقرب من نصب مدع جديد وأمره بدعوى باطلة. فرع عن فتاوى القفال شهد الشهود على امرأة باسمها ونسبها ولم يتعرضوا لمعرفة عينها صحت شهادتهم فإن سألهم الحاكم هل تعرفون عينها فلهم أن يسكتوا ولهم أن يقولوا لا يلزمنا الجواب عن هذا الطرف الثاني فيما تجوز الشهادة فيه بالتسامع وهو الاستفاضة فمنه النسب فيجوز أن يشهد بالتسامع أن هذا الرجل ابن فلان أو هذه المرأة إذا عرفها بعينها بنت فلان أو أنهما من قبيلة كذا ويثبت النسب من الأم بالتسامع أيضاً على الأصح وقيل قطعاً كالأب ووجه المنع إمكان رؤية الولادة ثم ذكر الشافعي والأصحاب رحمهم الله في صفة التسامع أنه ينبغي أن يسمع الشاهد المشهود بنسبه فينسب إلى ذلك الرجل أو القبيلة والناس ينسبونه إليه وهل يعتبر في ذلك التكرر وامتداد مدة السماع قال كثيرون نعم وبهذا أجاب الصيمري وقال آخرون لا بل لو سمع انتساب الشخص وحضر جماعة لا يرتاب في صدقهم فأخبروه بنسبه دفعة واحدة جاز له الشهادة ورأى ابن كج القطع بهذا وبه أجاب البغوي في انتسابه بنفسه فإن قلنا بالأول فليست المدة مقدرة بسنة على الصحيح ويعتبر مع انتساب الشخص ونسبة الناس أن لا يعارضهما ما يورث تهمة وريبة فلو كان المنسوب إليه حياً وأنكر لم تجز الشهادة وإن كان مجنوناً جازت على الصحيح كما لو كان ميتاً ولو طعن بعض الناس في ذلك النسب هل يمنع جواز الشهادة وجهان أصحهما نعم لاختلال الظن. فرع يثبت الموت بالاستفاضة على المذهب وبه قطع الأكثرون وقيل وجهان وهل يثبت بها الولاء والعتق والوقف والزوجية وجهان قال الإصطخري وابن القاص وأبو علي بن أبي هريرة والطبري نعم ورجحه ابن الصباغ وقال أبو إسحاق لا وبه أفتى القفال وصححه الإمام وأبو الحسن العبادي والروياني قالوا ويستحب تجديد شهود كتب الوقف إذا خاف انقراض الأصول قال في العدة هذا ظاهر المذهب لكن الفتوى الجواز للحاجة. قلت الجواز أقوى وهو المختار والله أعلم. فرع المعتبر في الإستفاضة أوجه أصحها أنه يشترط أن يسمعه من جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب وهذا هو الذي رجحه الماوردي وابن الصباغ والغزالي وهو أشبه بكلام الشافعي رحمه الله والثاني يكفي عدلان اختاره أبو حامد وأبو حاتم ومال إليه الإمام والثالث يكفي خبر واحد إذا سكن القلب إليه حكاه السرخسي وغيره فعلى الأول ينبغي أن لا يشترط العدالة ولا الحرية والذكورة. فرع لو سمع رجلا يقول لآخر هذا ابني وصدقه الآخر أو قال أنا ابن فلان وصدقه فلان قال كثير من الأصحاب يجوز أن يشهد به على النسب وكذا لو استلحق صبياً أو بالغاً وسكت لأن السكوت في النسب كالإقرار وفي المهذب وجه أنه لا يشهد عند السكوت إلا إذا تكرر عنده الإقرار والسكوت والذي أجاب به الإمام والغزالي أنه لا تجوز الشهادة على النسب بذلك بل يشهد والحالة هذه على الإقرار وهذا ليس ظاهر.
تنبني على ثلاثة أمور وهي اليد والتصرف والتسامح فأما اليد فلا تفيد بمجردها جواز الشهادة على الملك لكن إذا رأى الشيء في يده جاز أن يشهد له باليد وشرط البغوي لذلك أن يراه في يده مدة طويلة وحكى الإمام قولا أنه لا تجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد والمشهور الأول وأما التصرف المجرد فكاليد المجردة لا يفيد جواز الشهادة بالملك فإن اجتمع يد وتصرف فإن قصرت المدة فهو كاليد المجردة وإن طالت ففي جواز الشهادة له بالملك وجهان أصحهما الجواز صححه البغوي ونقله الإمام عن اختيار الجمهور وعن الشيخ أبي محمد القطع به فلو انضم إلى اليد والتصرف الاستفاضة ونسبة الناس الملك إليه جازت الشهادة بالملك بلا خلاف ونقل الروياني قولا انه لا تجوز الشهادة على الملك حتى يعرف سببه وهو شاذ ضعيف وأما الاستفاضة وحدها فهل تجوز الشهادة على الملك بها وجهان أقربهما إلى إطلاق الأكثرين الجواز والظاهر أنه لا يجوز وهو محكي عن نصه في حرملة واختارها القاضي حسين والإمام الغزالي وهو الجواب في الرقم واعلم أن جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة مشهورة في المذهب فلعل من لا يكتفي به يكتفي بانضمام أحد الأمرين من اليد والتصرف إليه أو يعتبرهما جميعاً لكن لا يعتبر طول المدة فيهما وإذا انضما إلى الاستفاضة وإلا فهما كافيان إذا طالت المدة على الأصح ولا يبقى للاستفاضة أثر ويشترط في جواز الشهادة بناء على اليد أو اليد والتصرف أن لا يعرف له منازعاً فيه ونقل ابن كج وجهين في أن منازعة من لا حجة معه هل تمنع. فرع طول مدة اليد والتصرف يرجع فيه إلى العادة وقيل أقلها سنة والصحيح الأول وعن الشيخ أبي عاصم أنه إن زادت على عشرة فطويلة وفيما دونها وجهان والقول في عدد المخبرين هنا وامتداد المدة كما سبق في النسب ونقل ابن كج وجهين في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبرين. فرع ذكر ابن كج أنه تجوز الشهادة على اليد بالاستفاضة وقد ينازع فيه لإمكان مشاهدة اليد. لا يكفي أن يقول الشاهد سمعت الناس يقولون إنه لفلان وكذا في النسب وإن كانت الشهادة مبنية عليه بل يشترط أن يقول أشهد بأنه له وبأنه ابنه لأن قد يعلم خلاف ما سمعه من الناس لكن عن الشيخ أبي عاصم أنه لو شهد رجل بالملك وآخر بأنه في يده مدة طويلة وتصرف فيه بلا منازع تمت الشهادة وقال الشارح لكلامه هذا مصير منه إلى الاكتفاء بذكر السبب والصحيح الأول. فرع سواء في الشهادة على الملك بالاستفاضة والتصرف العقار والثوب والعبد وغيرها إذا ميز الشهود به عن أمثاله. فرع التصرف المعتبر في الباب تصرف الملاك من السكنى والدخول والخروج والهدم والبناء والبيع والفسخ بعده والرهن وفي مجرد الإجارة وجهان لأنها وإن تكررت قد تصدر ممن استأجر مدة طويلة ومن الموصى له بالمنفعة وليجر هذا الخلاف في الرهن لأنه قد يصدر من مستعير والأوفق لإطلاق الأصحاب الإكتفاء لأن الغالب صدورها من المالكين ولا يكفي التصرف مدة فرع لا يثبت الدين بالاستفاضة على الصحيح. فرع قبول شهادة الأعمى في قبول شهادة الأعمى فيما يشهد فيه بالاستفاضة وجهان قال ابن سريج والجمهور تقبل إلا أن شهادته إنما تقبل إذا لم يحتج إلى تعيين وإشارة بأن يكون الرجل معروفاً باسمه ونسبه الأدنى ويحتاج إلى إثبات نسبه الأعلى وصور أيضاً في النسب الأدنى بأن يصف الشخص فيقول الرجل الذي اسمه كذا وكنيته كذا ومصلاه ومسكنه كذا هو فلان ابن فلان ثم يقيم المدعي بينة أخرى أنه الذي اسمه كذا وكنيته كذا إلى آخر الصفات وصورته في الملك أن يشهد الأعمى بدار معروفة أنها لفلان ابن فلان ويمكن أن يقال الوجه القائل بأن شهادته لا تقبل مخصوص بما إذا سمع من عدد يمكن اتفاقهم على الكذب فأما إذا حصل السماع من جمع كبير فلا حاجة فيه إلى المشاهدة ومعرفة حال المخبرين. فرع ما جازت الشهادة به ما جازت الشهادة به اعتماداً على الاستفاضة جاز الحلف عليه اعتماداً عليها بل أولى لأنه الطرف الثالث في تحمل الشهادة وأدائها أما الأداء فواجب في الجملة والكتمان حرام ويجب الأداء على متعين للشهادة متحمل لها قصداً دعي من دون مسافة العدوى عدل لا عذر له فهذه خمسة قيود الأول التعيين فإن لم يكن في الواقعة إلا شاهدان بأن لم يتحمل سواهما أو مات الباقون أو جنوا أو فسقوا أو غابوا لزمهما الأداء فلو شهد أحدهما وامتنع الآخر وقال للمدعي احلف مع الشاهد عصا وكذا الشاهدان على رد الوديعة لو امتنعا وقال للمودع احلف على الرد عصيا لأن من مقاصد الأشهاد التورع عن اليمين ولو لم تكن في الواقعة إلا شاهد فإن كان الحق يثبت بشاهد ويمين لزمه الأداء وإلا فلا على الصحيح وحكى ابن كج وجهاً في لزومه لأنه ينفع في اندفاع بعض تهمة الكذب وإن كان في الواقعة شهود فالأداء عليهم فرض كفاية إذا فعله اثنان منهم سقط عن الباقين وإن طلب الأداء من اثنين ففي وجوب الإجابة عليهما وجهان وقال ابن القاص قولان أصحهما الوجوب وليس موضع الخلاف ما إذا علمنا من حالهم رغبة أو إباء. القيد الثاني كونه متحملا عن قصد أما من سمع الشيء أو وقع بصره عليه اتفاقاً فالأصح الموافق لإطلاق الجمهور أنه يلزمه الأداء أيضاً لأنها أمانة وشهادة عنده والثاني لا لعدم التزامه. القيد الثالث أن يدعى لأداء الشهادة من مسافة قريبة ومتى كان القاضي في البلد فالمسافة قريبة وكذا لو دعي إلى مسافة يتمكن المبكر إليها من الرجوع إلى أهله في يومه وإن دعي إلى مسافة القصر لم تجب الإجابة وإن كان بينهما لم تجب أيضاً على الأصح وهذا كله تفريع على الصحيح وهو أن الشاهد يلزمه الحضور إلى القاضي لأداء الشهادة وعن القاضي أبي حامد أنه ليس على الشاهد إلا أداء الشهادة إن اجتمع هو والقاضي. القيد الرابع كون الشاهد عدلا فإن كان فاسقاً ودعي لأداء الشهادة نظر إن كان فسقه مجمعاً عليه ظاهراً أو خفياً حرم عليه أن يشهد وإن كان مجتهداً فيه كشرب النبيذ لزمه أن يشهد وإن كان القاضي يرى التفسيق به ورد الشهادة لأنه قد يتغير اجتهاده وفي أمالي السرخسي وجه أنه لا يجب في الفسق المجتهد فيه إذا كان ظاهراً وحكى ابن كج وجها أنه يجب مطلقاً في الفسق الخفي وفي الظاهر وجهان والمذهب ما سبق وحكى ابن كج وجهين في أنه هل للشاهد أن يشهد بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده الشاهد كالبيع الذي يترتب عليه شفعة الجوار والشاهد لا يعتقدها ولو كان أحد الشاهدين عدلا والآخر فاسقاً فسقاً مجمعاً عليه لم يلزم العدل الأداء إن كان الحق لا يثبت بشاهد ويمين. القيد الخامس عدم العذر كالمرض ونحوه فالمريض الذي يشق عليه الحضور لا يكلف أن يحضر بل إما أن يشهد على شهادته وإما أن يبعث القاضي إليه بأن يسمع شهادته والمرأة المخدرة كالمريض وفيها الخلاف السابق في الباب الثالث من أدب القضاء وغير المخدرة يلزمها الحضور والأداء وعلى الزوج أن يأذن لها فيه وحكى الشيخ أبو الفرج وجهين في أنه هل يجب الحضور عند القاضي الجائر والمتعنت لأداء الشهادة لأنه لا يؤمن أن يرد شهادته جورا وتعنتا فيعير بذلك فعلى هذا عدالة القاضي وجمعه الشروط المعتبرة شرط سادس. قلت الراجح الوجوب والله أعلم. وإذا اجتمعت شروط الوجوب لم يرهق القاضي إرهاقاً بل إن كان في صلاة أو حمام أو على طعام فله التأخير إلى أن يفرغ ولا يمهل ثلاثة أيام على المشهور قال ابن كج ولو شهد ورد القاضي شهادته بعلة الفسق ثم طلب المدعي أن يشهد له عند قاض آخر لزمه الإجابة ولا يلزمه عند ذلك القاضي على الصحيح قال ابن كج ولو دعي لأداء الشهادة عند أمير أو وزير قال ابن القطان لا تلزمه الإجابة وإنما يلزمه عند من له أهلية سماع البينة وهو القاضي قال ابن كج وعندي أنه يلزمه إذا علم أنه يصل به إلى الحق. قلت قول ابن كج أصح والله أعلم. فرع إذا امتنع الشاهد من أداء الشهادة بعد وجوبه حياء من المشهود عليه قال القاضي حسين يعصي ولا يجوز للقاضي قبول شهادته في شيء أصلا حتى يتوب ويوافق هذا ما قيل إن المدعي لو قال للقاضي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها فأحضره ليشهد لم يجبه القاضي لأنه فاسق بالامتناع بزعمه فلا ينتفع بشهادته. قلت ينبغي أن يعمل هذا على ما إذا قال هو ممتنع بلا عذر والله أعلم.
لتوقف الانعقاد عليه فإن امتنع الجميع منه أثموا ولو طلب من اثنين التحمل وهناك غيرهما لم يتعينا بلا خلاف وأما في التصرفات المالية والأقارير فهل التحمل فرض كفاية أم مستحب وجهان الصحيح الأول وبه قطع العراقيون للحاجة إليها ومنهم من يقتضي كلامه طرد الخلاف في النكاح أيضاً وليس بشيء وإذا قلنا بالافتراض فذلك إذا حضر المحمل أما إذا دعي للتحمل فقيل تجب الإجابة أيضاً والأصح الذي قاله القاضي أبو حامد والبغوي وأبو الفرج أنه لا يجب إلا أن يكون المحمل معذوراً بمرض أو حبس أو كانت امرأة مخدرة إذا أثبتنا للتخدير أثراً وكذا إذا دعاه القاضي ليشهده على أمر ثبت عنده لزمه الإجابة. فرع إن تطوع الشاهد بتحمل الشهادة وأدائها فقد أحسن وإن طمع في مال فهو إما رزق من بيت المال وإما من مال المشهود له فأما الرزق من بيت المال فقد ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وآخرون أن الشاهد ليس له أخذ الرزق من بيت المال لتحمل الشهادة وقيل له ذلك فإن قلنا بالأول فرزقه الإمام من ماله أو واحد من الرعية فالحكم كما ذكرنا في القاضي وأما مال المشهود له فليس للشاهد أخذ أجرة على أداء الشهادة ووجهوه بأنه فرض عليه فلا يستحق عليه عوضاً ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله وأما إتيان القاضي والحضور عنده فإن كان معه في البلد فلا يأخذ شيئاً وإن كان نائبه من مسافة العدوى فما فوقها فله طلب نفقة المركوب قال البغوي وكذا نفقة الطريق وحكى وجهين فيما لو أعطاه شيئاً ليصرفه في نفقة الطريق وأجرة المركوب هل له أن يصرفه إلى غرض آخر ويمشي وهما كالوجهين فيما لو أعطى فقيراً شيئاً وقال اشتر لك به ثوباً هل له أن يصرفه إلى غير الثوب والأصح الجواز فيهما فهذا ما قيل إن الشاهد يأخذه من المشهود له ولم يتعرض أكثرهم لما سوى هذا لكن في تعليق الشيخ أبي حامد أن الشاهد لو كان فقيراً يكسب قوته يوماً يوماً وكان في صرف الزمان إلى أداء الشهادة ما يشغله عن كسبه لم يلزمه الأداء إلا إذا بذل له المشهود له قدر كسبه في ذلك الوقت هذا حكم الأداء فلو طلب الشاهد أجرة لتحمل الشهادة فإن لم يتعين عليه فله ذلك وكذا إن تعين على الأصح قال أبو الفرج هذا إذا دعي ليتحمل فأما إذا أتاه المحمل فليس للتحمل والحالة هذه أجرة وليس له أن يأخذ شيئاً ومقتضى قولنا له طلب الأجرة إذا دعي للتحمل أن يطلب الأجرة إذا دعي للأداء سواء كان القاضي معه في البلد أم لا كما لا فرق في التحمل وأن يكون النظر إلى الأجرة مطلقاً لا إلى أجرة المركوب ونفقة الطريق خاصة ثم هو يصرف المأخوذ إلى ما يشاء ولا يمنع ذلك كون الأداء فرضاً عليه كما ذكرنا في التحمل مع تعينه على الأصح. قلت هذا الذي أورده الرافعي رحمه الله ضعيف مع أنه خلاف قول الأصحاب كما سبق فإن فرض من يحتاج إلى الركوب في البلد فهو محتمل والوجوب ظاهر حينئذ والله أعلم. فرع كتابة الصكوك هل هي فرض كفاية أم مستحب وجهان أصحهما الأول وبه قطع السرخسي فإن قلنا مستحبة أو فرض ولم يتعين لها شخص فله طلب الأجرة وإن تعين فكذلك على الأصح هذا إذا لم يرزق الكاتب من بيت المال لكتابة الصكوك فإن رزق لذلك فلا أجرة. فصل في آداب التحمل والأداء منقولة من مختصر الصيمري ينبغي للشاهد أن لا يتحمل وبه ما يمنعه من الضبط وتمام الفهم كجوع وعطش وهم وغضب كما لا يقضي في هذه الأحوال وإذا أتاه من لا تجوز الشهادة عليه كصبي ومجنون لم يلتفت إليه وإن أتي بكتاب أنشئ على خلاف الإجماع فكذلك وتبين فساده وإن أنشئ على مختلف فيه بين العلماء وهو لا يعتقده فهل يعرض عنه أم يشهد ليؤدي ويحكم الحاكم باجتهاده وجهان سبقاً وإذا رأى كلمة مكروهة أو معادة فلا بأس بالضرب عليها لا سيما إذا لم يسبقه بالشهادة أحد وإن أغفل الكاتب ما لا بد منه ألحق به وإن رأى سطراً ناقصاً شغله بخط أو خطين وإذا قرأ الكتاب على المتبايعين مثلاً وقال عرفتما ما فيه أشهد عليكما به فقالا نعم أو أجل أو بلى كفى للتحمل ولا يكفي أن يقول المحمل الأمر إليك أو إن شئت أو كما ترى أو أستخير الله تعالى وإذا سمع إقراراً بدين أو طلاق أو عتق فله أن يشهد به ولكن لا يقول ولا يكتب أشهدني بذلك ويكتب الشاهد في الكتاب الذي تحمل فيه اسمه واسم أبيه وجده وجوز أن يترك اسم الجد وأن يتخطى إلى جد أعلى لشهرته به ولا يكتب الكنية إلا أن يكون في الشهود من يشاركه في الاسم والنسب فيميز بالكنية وقد يستحب الاستعانة بما يفيد التذكر كما ذكرناه في الباب الثاني من أدب القضاء وإذا أشهده القاضي على شيء قد سجل به كتب الشهادة على إنفاذ القاضي ما فيه أو حكم بما فيه ولا يكتب الشهادة على إقراره يعني إذا حضر الإنشاء والأولى في كتابة الدين المؤجل أن يقرر صاحب الدين أولاً بأن يقول ما الذي لك على هذا فإن قال كذا مؤجلاً قرر المدين لأنه لو أقر المدين أولاً قد ينكر صاحب الأجل وفي السلم يقرر المسلم أولاً خوفاً من أن ينكره المسلم لو أقر أولاً ويطالبه بالمدفوع إليه وإذا أتى القاضي شاهد لأداء شهادة أقعده عن يمينه وإن كانت شهادته مثبتة في كتاب أخذه وتأمله فإذا سأله المشهود له استأذن القاضي ليصغي إليه ولو شهد قبل استئذان القاضي وسؤاله صحت على الصحيح لكن لو شهد قبل استئذانه فقال القاضي كنت ذاهلاً لم أسمع لم يعتد بها والله المستعان.
|